السلم و بير السلم
لم اسمع قط فى طفولتى عن دور (سلم و ثعبان) بدأه يلعبه الاولاد و لم يستطيعوا ان يكملوه..او لم يكسب احد..!! لأن ببساطة يبدأ الجميع متساوين من نقطة الصفر و يكون كل واحد منهم معرض ان يجد (سلما) يرفعه الى اعلى او يلدغه (ثعبان) يقذف به الى الاسفل... و يخضع الجميع للنظرية المحايدة للاحتمالات التى تضمن الوصول الى نقطة النهاية مهما طال الوقت... فقط عليك ان تستمر فى اللعب ..
المفترض ان هذا هو الوضع فى الواقع ايضا... حيث يبدأ الجميع حياتهم من نقطة الصفر الافتراضى محاولين الوصول الى الهدف الكبير..يأمل كل واحد فيهم ان يستخدم كل (السلالم) المتاحة متجنبا كل (الثعابين) الخبيثة , قدر الامكان... فيكون لهم جميعا فرصة فى الوصول ... فقط ان استمروا فى المحاولة...
و لكن ما يحدث فى الواقع المصرى لا يوفر اية (سلالم) من اى نوع للانسان العادى لتساعده ان يرتقى بحياته و يطورها... فالطريقة الوحيدة ان تمتلك (سلما) هى ان ترثه ...و ليس ان تمنحه لك جهة مسئولة عن خدمتك كمواطن.. اى ان الوحيد الذى يمتلك فرصة حقيقية فى اى مجال, غالبا هو الذى ورث تلك الفرصة...
فيوجد قطاعات فى الحياة لا يمكنك الاقتراب منها اذا لم تكن امتداد لأشخاص هم بالفعل داخل هذه القطاعات.. سواء فى الحياة العلمية او العملية او حتى الفنية و الرياضية , ناهيك عن الحياة السياسية...!
لذلك توجد بعض الفئات تتمتع بالغنى و التعليم الجيد و الصحة الوافرة و الثقافة و النفوذ و الاعمال و السلطة.. و يساعدوا ابنائهم ان يبدأوا حياتهم من حيث انتهوا هم.. فتنشأ سلالات تتقوى و تتطور من جيل الى جيل فتصبح حياتهم عبارة عن سلسلة متواصلة من( السلالم)...
و على الرصيف المقابل توجد الطبقات الاكثر فقرا التى تفتقر الى كل المزايا السابقة.. فلا يوجد تعليم حقيقى متاح يساعدهم على التطور.. و بالتالى لا يوجد عمل مناسب.. فتنتشر البطالة و معها الاحباط و الادمان و الجريمة و المرض... و اما ابناء هذه الفئة فسيكونون نواة لسلالات لها نفس المعاناة و لكنها تتدهور و تزداد سوءا من جيل لآخر.. و تكون حياة هذه السلالات عبارة عن مجموعة من (الثعابين).... او اسوأ لأن من يلدغه (ثعبان) له امل ان يجد (سلما) يعوضه... اما حال هؤلاء الناس هو اقرب لمن يسقط فى (بير السلم) حيث لا يوجد غير السقوط حتى النهاية ... فلا يوجد لهم اى امل فى الوصول الى اى (سلم)... فقط ان يسقطوا !
هذا واقعنا...واقعنا نحن... وليس احد غيرنا..و كلنا مطالبين بالتعامل معه..
يمكننا ان نلوم و ندين و نستنكر افعال المسئولين عن هذه المجزرة الانسانية بلا توقف و لكن ذلك لن يغير شيئا...على الاقل ليس الآن..
الحل المتاح الآن كبداية هو ان يقرر بعض اصحاب (السلالم) _ طواعية و بملء ارادتهم _ ان يساعدوا المطروحين فى (بير السلم) على الخروج من ازمتهم.. و لست اتحدث هنا عن معونات استهلاكية للفقراء؛ بل اتكلم عن مساعدة البسطاء لأن يكون لهم قدرة على الاكتفاء الذاتى, ان نساعدهم ليتعلموا تعليما جيدا فيصبح لهم قدرة على تطوير حياتهم, ان يجدوا من يساندهم لبداية مشروعات منتجة صغيرة.. ان نساعدهم ليتعلموا مهارات تؤهلهم لسوق العمل.. ان يقف بجانبهم شخص له نفوذ و يساعدهم فى بداية الطريق فقط لأيمانه بأن لهؤلاء قيمة... اتحدث عن مؤسسات المجتمع المدنى الغير هادفة للربح, و كل الافراد الذين يتبعون نفس المنهج سواء بشكل فردى او تبع منظومة..
لست اتكلم عن المدينة الفاضلة... ولكنى اتكلم عن مجموعة قليلة تفعل الصواب لأيمانها ان لحياتها معنى و هدف....و ان لهم قدرة على التغيير.
يمكن لا يحقق ذلك نتيجة ملموسة قوية فى حياة الجماهير العريضة التى لن نستطيع ان نساعد سوى القليل جدا منهم, و لكنه بكل تأكيد سيكون له مفعول السحر على حياتنا نحن..
.
.
.
"اكثر شخص يخطئ هو الشخص الذى لا يفعل شىء ,لأعتقاده انه لا يستطيع سوى ان يفعل القليل"................(ادموند بورك)
.
.
(صيف 2010)
.