متعة الاكتشاف
.
مجرد فكرة وجودى فعلا فى اول مطار خارج حدود ( ام الدنيا ) ، كانت تحوى من الاثارة و المتعة ما يكفى ليمدني بالطاقة اللازمة لأذهب مسرعا اتفقد كل شبر فى ارض المطار و كأننى لا اريد ان يفوتنى شىء مهما كان صغيرا دون ان اتأمله و اشعر بلذة اكتشافه... غير عابىء بالشنطة المعتلية ظهرى، التى عرفت فيما بعد ان وزنها كان قد جاوز العشرة كيلوجرامات تقريبا...
فى مطار (فرانكفورت) كل شىء يبدو ميكانيكيا، وهذا ينطبق على الاشخاص مثله على الاشياء...
تظهر فيه الحياة كصورة هندسية يسيطر عليها اللون الازرق الباهت لينزع كل احساس بالدفء من القلوب... حقا اتعجب كيف اعجبنى هذا المطار -في حينها - رغم كل هذا الجمود!!
فأى مسافر متوسط الخبرة ، يستطيع بسهولة ان يعرف ان مطار فرانكفورت، حقا ليس جميلا...
و لكنى اكتشفت فيما بعد انه ليس المطار ما اثارنى... بل هى متعة الاكتشاف...
فى سنوات حياتى القليلة رأيت الكثير من قصص الحب الرائعة تتحول من زيجات مباركة فى وسط جو مليء بالشغف و حماس و فرح الجميع، و بعد الزغاريد و التهانى، تأتى فترة قصيرة من الاستقرار ثم تبدأ السيمفونية العشوائية للتصادم التى تنتهى بنغمة واحدة من الفتور و الاستسلام للوضع البارد السخيف...
كما رأيت كثيرا من الصداقات تسلك نفس الدرب... و ينطبق الامر بحذافيره ليس فقط على العلاقات الانسانية بل على الاماكن و الافكار و الاحلام...
فيبدأ الانسان يتعجب من طريقة سير الامور و كيف وصلت الى تلك النهايات الحزينة...
فيتسائل اين ذهب الشغف بالامور و الاشخاص و الاشياء التى اختارها لنفسه بكل الحماس....
الامر ببساطة يكمن فى الاثارة الوقتية التى يطلق عليها (متعة الاكتشاف)...
فمتعة الاكتشاف هى انفعال وقتي، يذهب بمجرد ان يصير الشىء معتادا.. و لذلك ينبغى الا نبنى اختياراتنا على انفعالات وقتية هزيلة ، و لكن على عمق الامور و حقيقتها التى هى دائما اقل ابهارا من الصورة السيريالية التى نرسمها لأنفسنا فى البداية تحت تأثير الانبهار المصاحب لمتعة الاكتشاف...
فأن استطعنا ان نرى الامور و الافكار و الاشخاص فى صورتهم الحقيقية تلك، و نظل نحبهم, رغم ذلك.. فهذا هو النضج... هذا هو الحب الذى يبقى...
هذا الحب مبنى على اختيار واعى لتقبل العيوب و الضعفات و التعامل معها، فقط لأن الشخص او الأمر المحبوب "يستحق" ان نتحمل من اجله...
و لكن لكى لا تتحول الحياة تدريجيا الي لون باهت، يجب علينا من وقت لآخر ان نعاود اكتشاف الاشخاص و الامور من البداية، لنتذوق جمال متعة الاكتشاف و نقع فى حب الحياة من جديد بشكل اعمق و اقوى...
" توجد طريقتان لتحيا حياتك ؛ الاولى و كأن لا شىء معجزة، و الثانية و كأن كل شىء معجزة"
(البرت اينشتاين)