الخميس، 11 أغسطس 2011

النسخة الأصلية





فى يوم من ايام الدراسة فى سنوات ابتدائى، طلبت منى (ميس سلوى) _مدرسة ال(Science)_ ان اقوم بتصوير ورق خاص بالمادة.. و بعد ان قمت بذلك ، طلبت منى ان اعطيها النسخة الاصلية لتحتفظ بها للأستخدام فيما بعد، و احتفظ انا بالصور ليتم توزيعها على الفصل... و هذه كانت اول مرة افهم فيها ان النسخة الاصلية تفرق عن اى صورة اخرى.. لانه مع تكرار عملية التصوير لصورة من صورة فسوف يظهر بهتان فى الكتابة وتبدأ فى الاختفاء تدريجيا ... لذلك ينبغى دائما الرجوع للنسخة الاصلية...

هذا هوالمفهوم البسيط لما يحدث للطبيعة الانسانية ... يولد الانسان كامل البراءة و النقاوة فى نسخته الاصلية...ثم يبدأ بالتدريج فى اكتشاف الحياة بكل قساوتها و جوانبها القبيحة فتختلط نسخته الاصلية بالكثير من الصور التى تبدأ بالبهتان تدريجيا، و تختفى النسخة الاصلية مؤقتا عن الانظار، حتى يتم الكشف عنها فى موقف انسانى راقى يرتفع بالانسان الى نسخته الاصلية فينير جوانب وجوده و ينعش كل كيانه..
تشعر بهذا الاحساس بقوة عندما تبكى بندم بعد اعترافك بخطأ ارتكبته.. و تشعر ان بداخلك حماس الدنيا كلها لبداية جديدة و محاولة اخرى..
عندما يأكل قلبك الغضب من شخص ما، ثم تقرر فجأة و دون سبب واضح انك تريد ان تتصالح معه و تبدأ من جديد..
عندما يبتسم لك طفل ببراءة، فيحتضنك الفرح و ينسيك كل هموم الدنيا و يجعلك تشعر بضآلتها ...
عندما تكون فى اشد لحظات حياتك ضيقا و لا يوجد مخرج لما يصيبك، فيأتيك صديق و يمسك بيديك و يخبرك ان كل شىء سيكون على ما يرام، فتبتسم و تشعر بالشجاعة رغم انك تدرك انه لا يقدر ان يفعل شىء ملموس لمساعدتك...
عندما تستقبل شخص تحبه فى المطار بعد غياب سنين فتدرك انه لا يوجد ما يمكنك ان تفعله سوى حضن واسع به دفء الدنيا كلها، و كلمة وحشتنى ...
عندما تقرر فجأة ان تتخلى عن حذرك و تدوس خوفك، لتقذف بنفسك فى مخاطرة غير محسوبة لانقاذ شخصا او للدفاع عن مبدأ و تشعر انك احدثت فرقا..
عندما تتأمل مرة فلسفة الحياة فترى شريط حياتك يمر امامك فى لحظات بماضيه و مستقبله لكتشتف مدى ضآلته، فتتخذ قرارا كنت تعلم انه صائب و لكنك كنت تؤجله منذ فترة...
عندما تكافح سنوات من اجل فكرة تستحق و لا تجد سوى المشقة و السخرية فتشعر بالضياع و تبدأ فى التساؤل عن مدى صحة الافكار التى كرست لها حياتك، و قبل ان تفقد الامل بخطوة واحدة تأتيك يد ممدودة من السماء لتخبرك ان الفوضة العارمة التى للأشياء انما هى نظام دقيق محسوب ليقودك لأهدافك، ان كانت بحسب قلب الله...
عندما تريد ان تقول آلاف الكلمات لشخص تحبه ثم تشعر انها لا تعبر عما بداخلك مثل ابتسامة نقية بها انغام الربيع...
عندما تمتلك شيئا ثمينا جدا لديك و ترفض التخلى عنه ابدا، و لكنك تجد نفسك فجأة و بدون مقدمات راغبا بشدة لأن تعطيه لشخصا آخر فقط لتخبره بمدى حبك له ...
عندما تقرر فى يوم ان تتأمل الطبيعة لتكتشف _و لأول مرة_ كيف ترقص الاشجار مع هواء الليل الهادى، و تدرك مدى عبقرية اللون الاخضر فتشعر به يبتسم لك، و تتلمس احساس الحرية فى قطرات المطر، و تغرق فى حضن الكون عندما تجلس على الشاطىء فى المساء تتأمل النجوم و تشعر بها قريبة و مألوفة فتبدأ تدرك انك جزء صغير فى منظومة عملاقة متماسكة و متهللة...

و غيرها من لحظات الرقى الانسانى التى يكتشف فيها الانسان بشكل واضح مدى الجمال الذى خلق عليه، و مدى روعة الكون من حوله، ومدى حلاوة فكرة الحياة نفسها... لأن هذه الاشياء ببساطة هى انعكاس لخالق جميل و رائع و حلو...

لا تدع النسخ المزورة التى اكتسبتها على مدار الاعوام تنال من نسختك الاصلية... و استخدم هذه اللحظات لتتلامس مع نسختك الاصلية و تعود اليها... ففى النهاية لحظات مثل هذه هى التى تحدث فرقا و هى التى تبقى فى الذاكرة و هى التى نقيس بها مدى نجاحنا فى ان نكون احياء بالحقيقة ....ونعرف بها قدرتنا على ان نعيش فى نسختنا الاصلية !!